نظر آیت الله خویی در توضیح نامه 62

 

فمقصوده علیه السلام من الناس الّذین رجعوا عن الاسلام یدعون إلى محق دین محمّد صلّى اللّه علیه و آله هم الّذین بایعوا مع أبی بکر، و لمّا أیس علیه السّلام من المبارزة معهم بقوّة الامرة و الحکومة و تصدّی زعامة الامّة عدل إلى مبارزة مسلمیّة و بایع أبا بکر و نصر الاسلام بارائه النیّرة و هداهم إلى المصالح الاسلامیّة کاظما غیظه و صابرا على سلبهم حقّه، فکم من مشکلة حلّها و قضیّة صعبة لجئوا فیها إلیه حتّى قال عمر فی عشرات من المواقف: «لو لا علیّ لهلک عمر» و هذا هو المعنیّ بقوله علیه السّلام:

(فخشیت إن لم أنصر الاسلام و اهله أن أرى فیه ثلما أو هدما تکون المصیبة به علیّ أعظم).

و هذه الصعوبات الّتی حلّها علما و رأیا هی الأحداث الّتی نهضت لها حتّى زاح الباطل و زهق، و المقصود منه توطئة خبیثة دبّرها بنو امیّة لمحق الاسلام و الرجوع إلى آداب الجاهلیّة الاولى (و اطمأنّ الدین و تنهنه) عن الزوال ببقاء ظواهر الاسلام و دفع الشبهات و عرفان جمع من العرب و الناس الحقّ و رجوعهم‏

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج‏20، ص: 361

إلیه و استقرار طریقة الشیعة الامامیّة و تحزّبهم علما و تدبیرا حتّى تسلسل أئمّة الحقّ کابرا عن کابر فأوضحوا الحقائق و هدوا إلى صراط علیّ جماّ غفیرا من الخلائق حتّى قویت شوکتهم و ظهرت دولتهم فی القرون الاسلامیّة الاولى و دامت و اتّسعت طیلة القرون الاخرى تنتظرون أیّام کلمتهم العلیا و ظهور الحجّة على أهل الأرض و السماء لیظهر اللّه دینه على الدین کلّه و لو کره المشرکون.

و یؤیّد ما ذکرنا قوله علیه السّلام‏ (إنّی و اللّه لو لقیتهم واحدا و هم طلاع الأرض کلّها ما بالیت و لا استوحشت) فانّه یرجع إلى جمیع الأدوار الّتی مضت علیه و لا یجد ناصرا کافیا لأخذ حقّه و سحق عدوّه و کان یأسى على ولایة السفهاء و الفجّار أمر هذه الامّة- إلى أن قال: (و إنّ منهم من لم یسلم حتّى رضخت له على الاسلام الرضائخ).

و قد اعترف الشارح المعتزلی بأنّ المقصود منهم المؤلّفة قلوبهم الّذین رغبوا فی الاسلام و الطاعة بجمال و شاء دفعت إلیهم و هم قوم معروفون کمعاویة و أخیه یزید و أبیهما أبی سفیان و حکیم بن حزام و سهیل بن عمرو، و الحارث بن هشام بن المغیرة و حویطب بن عبد العزّى، و الأخنس بن شریق و صفوان بن امیّة و عمیر بن وهب الجمحی، و عیینة بن حصن، و الأقرع بن حابس، و عبّاس ابن مرداس و غیرهم و کان إسلام هؤلاء للطمع و الأغراض الدنیویّة- انتهى.

و لیس مقصوده علیه السّلام من العرب الّذین کانت تزعج هذا الأمر من بعده صلّى اللّه علیه و آله و منحّوه عنه بعده إلّا هؤلاء و أتباعهم و هم الّذین انثالوا على أبی بکر یبایعونه و هم الّذین رجعوا عن الاسلام یدعون إلى محق دین محمّد صلّى اللّه علیه و آله، و هذا ظاهر لمن تدبّر صدر کتابه و ذیله و فهم سیاقه و مغزاه.

و أمّا تاریخ الردّة و أهلها بمالها من الغوغاء فی أیّام أبی بکر فیحتاج تحلیله و توضیح حقائقه إلى أبحاث طویلة لا یسع المقام خوضها و تحقیق الحقّ فیها.

و لا یخفى أنّ تعبیره علیه السّلام عمّن یشکو عنهم بالعرب و بالناس مع أنّ المقام یناسب التعبیر عنهم بالمسلمین یشعر بما ذکرناه و کأنّه براعة استهلال بما ذکره بعد

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج‏20، ص: 362

ذلک من ارتدادهم و رجوعهم عن الاسلام.

ثمّ نسأل عن المقصود من قوله: (ألا ترون إلى أطرافکم قد انتقصت- إلخ) هل المقصود منه إلّا تجاوز معاویة و أتباعه على بلدان المسلمین و فتحها و الغزو معها للاستیلاء علیها فهم على جانب و المسلمون على جانب؟!